قد تكون إسرائيل مسرورة أول الأمر لتحرك الشعب المصري؟ الذي كانت تنتظر منه أن يشعل فتيل الحرب والدمار والخراب في مصر, لينوب عن طائرات العدو الصهيوني, فيدمر كما تتمنى إسرائيل أن تدمر هي في مصر.
إسرائيل كانت ترسم خطة التحرك في مصر على نحو يجعل الجيش في مواجهة مباشرة مع الشعب المصري, وبذلك تنهار مصر ويفقد الشعب معنوياته وثقته في جيش مصر, وينشغل الجيش بحرب الشعب, فتضعف مصر وتكون مؤهلة لاحتلال جزء منها كصحراء سيناء بالكلية, وإن صادفت إسرائيل ضعفا مضاعفا فهي تحلم بالاستحواذ على نهر النيل ومياهه وضفتيه معا.
لكن تعقل الشعب المصري وكذا قادة الجيش, حال ولله الحمد دون وقوع أية مواجهات بين الجيش والشعب, وبذلك يكون الشعب المصري وقادته قد كسبوا توازنا نفسيا وقتاليا في مواجهة العدو الصهيوني.
لقد فرضت الخدمة العسكرية على الشعب المصري, وأصبح الجيش الاحتياطي المصري يساوي تقريبا عدد سكان إسرائيل. لقد خرجت مصر من الحراك الشعبي أكثر قوة واستعدادا للمواجهة وقادرة على التصدي. خرجت ليست بأسلحة فتاكة, بل بشباب صادق غيور على عزة مصر وإبائها, شباب لن يرضى الركوع والخنوع.
شعب أصبح يضرب له ألف حساب, ولن تقوى دولة بعد اليوم على الاستهانة به أو بمصالحه. شعب ذاق مرارة الهزائم النفسية. شعب تلقى ضربات موجعة في اقتصاده وصحته وشهامته وريادته, أحس أنه فقد كل شيء, ولم يجد بدا من الانتفاضة ليسترد كل ما ضاع, أو يموت دونه.
لهذا فإن إسرائيل لن تقوى على مواجهة مصر في هذه الوضعية الحالية, لكن العدو الصهيوني لا بد أنه سيشعل نار الفتن والفوارق والخصومات والنعرات, لكسر شوكة شعب مصر الموحد حاليا, خوفا منه وتجنبا لامتداده في شتى الاتجاهات.
لكن ولله الحمد ومهما فعل العدو الصهيوني فإن شعب مصر لن يبقى متقوقعا على ذاته كما فرض عليه إبان حكم مبارك, بل سيهب الشعب المصري ويتجه نحو السودان وإثيوبيا وجميع الدول التي ينبع فيها النيل, ليستثمر الفلاح المصري والمقاول في تلك الدول بدل انتظار مياه النيل لحين القدوم عليه.
الشعب المصري أحس بالجوع وذاق مرارته خلال الثلاثين سنة الماضية, وأيقن أن العطاء المقرون بالمن من طرف أمريكا, على وشك النفاذ لحاجة العاطي سابقا, نفسه لتلقي العطاء.
شعب مصر أمام مسارين لا ثالث لهما إما التوسع الفكري والاقتصادي والاستثماري في مناطق نفوذ مصر عبر التاريخ؟ أو الانزواء والقبول بواقع أفضع وأبشع من السابق, عندما كان مبارك مادا يده يستجدي العطاء راكعا ساجدا معلنا أنه خاضع للصهيونية وخادم لها وبامتياز.